الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي الملك العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان ابن الملك الكامل شهاب الدين غازي ابن الملك العادل مجير الدين محمد ابن الملك الكامل سيف الدين أبي بكر بن شادي وقيل: ابن محمد بن تقي الدين عبد الله ابن الملك المعظم غياث الدين توران شاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبي بكربن أيوب بن شادي بن مروان الأيوبي صاحب حصن كيفا من ديار بكر وملك بعده الحصن ابنه الملك الأشرف. وكان العادل أديبًا شاعرًا عاقلًا وله نظم جيد ذكرناه في ترجمته في المنهل الصافي. وتوفي خطيب مكة جمال الدين أبو الفضل ابن قاضي مكة محب الدين أحمد ابن قاضي مكة أبي الفضل محمد النويري الشافعي المكي في شهر ربيع الآخر بمكة وهو والد صاحبنا الخطيب أبي الفضل محمد النويري وهم من أعيان فقهاء مكة أبًاعن جد. وتوفيت خوند الكبرى فاطمة زوجة السلطان الملك الأشرف وأم ابنه المقام الناصري محمد في خامس عشر جمادى الآخرة وكانت قبل الأشرف تحت الأمير دقماق المحمدي الذي ينتسب إليه الأشرف بالدقماقي وكان والدها من أعيان تجار القرم وكانت من الخيرات ودفنت بقبة المدرسة الأشرفية بخط العنبريين وكان لها مقام كبير عند زوجها الملك الأشرف. وتوفي الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل ابن الملك الأفضل عباس ابن الملك المجاهد علي ابن الملك المؤيد داود ابن الملك المظفر يحيى ابن الملك المنصور عمر بن رسول التركماني الأصل اليمني المولد والمنشأ والوفاة صاحب بلاد اليمن ومدن ممالكه: زبيد وتعز وعدن والمهجم وحرض وجبلة والمنصورة والمحالب والجوة والدملوة وقوارير والشحر وغيرهم. وكان موته في سادس عشر جمادى الآخرة بصاعقة سقطت عليهم بحصن قوارير خارج مدينة زبيد فارتاع الملك الناصر هذا من ذلك ولزم الفراش أيامًا إلى أن مات. وأقيم بعده في ممالك اليمن الملك المنصور عبد الله وكان الناصر هذا من شرار ملوك اليمن. وتوفي قاضي القضاة وشيخ الشيوخ بالجامع المؤيدي شمس الدين محمد بن عبد الله بن سعد العبسي الديري الحنفي المقدسي بالقدس وقد توجه إليه زائرًا في يوم عرفة ومولده في سنة أربع وأربعين وسبعمائة بالقدس وهو والد شيخ الإسلام سعد الدين سعد الديري. وكان إمامًا في الفقه وفروعه بارعًا في العربية والتفسير والأصول والحديث وأفتى ودرس سنين بالقدس ثم طلبه الملك المؤيد في سنة تسع عشرة وثمانمائة وولاه قاضي قضاة الحنفية بعد موت قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن العديم مسؤولًا في ذلك فباشر القضاء بعفة وديانة وصيانة عدة سنين إلى أن تركه رغبة وولى مشيخة الجامع المؤيدي داخل باب زويلة إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره. وتوفي الشيخ الصالح الزاهد المسلك أبو بكر بن عمر بن محمد الطريني الفقيه المالكي في يوم عيد النحر بالغربية بمدينة المحلة من الوجه البحري من أعمال القاهرة ولم يخلف بعده مثله في كثرة العبادة والتقشف وترك الدنيا ولذتها حتى لعله مات من قلة الغذاء وكان يقصد للزيارة من البلاد البعيدة وله كرامات ومصالح يعرفه كل أحد. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وعشرون أصبعًا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة عشر أصبعًا. وهي سنة ثمان وعشرين وثمانمائة: فيها كانت أول غزوات الملك الأشرف التي سيرها في البحر حسبما تقدم ذكره. وفيها
المعروف بأخي قصروه نائب حلب كان بقلعة حلب بعد أن حبس بها مدة في شهر ربيع الأول وأصله من مماليك الملك المؤيد شيخ وأحد خاصكيته ثم أمره المؤيد عشرة ولما مات الملك المؤيد أنعم عليه الأمير ططر في دفعة واحدة بإمرة مائة وتقدمة ألف وجعله أمير آخور كبيرًا عوضًا عن طوغان الأمير آخور ثم ولاه نيابة حلب فعصى في أواخر دولة ططر وخرج عن الطاعة فولي تنبك البجاسي عوضه في نيابة حلب ومات ططر فتوجه تنبك إليه وقاتله وهزمه وملك حلب ثم حاصره بقلعة بهسنا حتى أخذه بالأمان وحمله إلى قلعة حلب فحبس بها إلى يوم تاريخه وكان شابًا طائشًا خفيفًا غير مشكور السيرة واقتحم الرئاسة فنالها فلم يمهله الدهر وأخذ قبل أن تتم سنته. وتوفي قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي ابن التاجر بدر الدين أبي الثناء محمود بن أبي الجود أبي بكر الحموي الحنبلي المعروف بابن مغلي قاضي قضاة الديار المصرية في يوم الخميس العشرين من المحرم وقد قارب السبعين سنة وأصله من سلمية وكان آباؤه يعانون المتجر وولد هو بحماة وطلب العلم وقدم القاهرة شابًا في زي التجار في سنة إحدى وتسعين ثم عاد إلى حماه وأكب على طلب العلم حتى برع واشتهر بكثرة الحفظ حتى إنه كان يحفظ في كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابًا في الفقه ويحفظ في مذهبه كثيرًا إلى الغاية مع مشاركة جيدة في الحديث والنحو والأصول والتفسير وتولى قضاء حماة في عنفوان شبيبته ودام بها إلى أن طلبه الملك المؤيد وولاه قضاء الديار المصرية ونزل بالقاهرة في جوارنا بالسبع قاعات وسكن بها إلى أن مات. حدثني صاحبنا قاضي القضاة جلال لدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة قاضي مكة بها قال: قدمت القاهرة فدخلت إلى ابن مغلي هذا فإذا بالقاضي ولي الدين السفطي عنده فسلمت وجلست فأخذ السفطي يثني على ابن مغلي ويعرفني بمقامه في كثرة العلوم وكان مما قاله: مولانا قاضي القضاة يحيط علمه بالمذاهب الأربعة فقال ابن مغلي: يا قاضي ولي الدين أسأت في التعريف لم لا قلت بجميع مذاهب السلف قال: فمن يومئذ لم أجتمع به. قلت: كان عنده زهو وإعجاب بنفسه لغزير فضله وكثرة ماله. وقد وقع له مع العلامة نظام الدين يحيى السيرامي الحنفي بحث بحضرة السلطان الملك المؤيد فقال له القاضي علاء الدين المذكور: يا شيخ نظام الدين أسمع مذهبك. وسرد المسألة من حفظه وهذه كانت عادته وبذلك كان يقطع العلماء في الأبحاث فجاراه الشيخ نظام الدين في المسألة ولازال ينقله من شيء إلى شيء حتى دخل به إلى علم المعقول فارتبك ابن مغلي واستظهر الشيخ نظام الدين وصاح عليه في الملأ: مولانا قاضي القضاة حفظه طاح هذا مقام التحقيق. فلم يرد عليه انتهى. والذي اشتهر به ابن مغلي كثرة المحفوظ. حكى بعض طلبة العلم قال: استعار مني ابن مغلي أوراقًا نحو عشرة كراريس فلما أخذها مني احتجت إلى مراجعة شيء منها في اليوم المذكور فرجعت إليه وقلت له: أريد أنظر في الكراريس نظرة ثم خذها ثانيًا فقال: ما بقي لي بها حاجة قد حفظتها ثم ألقاها إلي وسردها من حفظه فأخذتها وعدت وأنا متعجب من قوة حافظته. وتوفي الأديب الشاعر زين الدين شعبان بن محمد بن داود الآثاري في سابع جمادى الآخرة وكان ولي حسبة مصر القديمة في الدولة الظاهرية برقوق بمال عجز عن أدائه ففر إلى اليمن واتصل بملوكها لفضيلة كانت فيه من كتابة المنسوب ونظم الشعر ومعرفة الأدب فأقام باليمن مدة ثم عاد إلى مكة وحج وقدم القاهرة ثم رحل إلى الشام ثم عاد إلى مصر فمات بعد قدومه إليها بأيام قليلة. وكان له نظم جيد. من ذلك ماقاله في مدح قاضي القضاة جلال الدين البلقيني لما عزل عن القضاء بالقاضي شمس الدين الهروي واتفق مع ذلك زينة القاهرة لدوران المحمل فتغالى في الزينة شخص يسمى الترجمان وعلق على باب بيته حمارًا بسرياقات على رؤوس الناس بأحسن هيئة وتردد الناس إلى الفرجة على الحمار المذكور أفواجًا فقال شعبان هذه الأبيات: الوافر أقام الترجمان لسان حال عن الدنيا يقول لنا جهارا: زمان فيه قد وضعوا جلالًا عن العليا وقد رفعوا حمارا وتوفي الشيخ الإمام الأديب الشاعر العلامة بدر الدين محمد بن عمر بن أبي بكر الدماميني المالكي الإسكندري شاعر عصره بمدينة كربركا من بلاد الهند في شعبان عن نحو سبعين سنة. وكان مولده ومنشأه بثغر الإسكندرية. وبرع في الأدبيات وقال الشعر الفائق الرائق وعانى دولبة عمل القماش الحرير بإسكندرية فتحمل الديون بسبب ذلك حتى ألجأته الضرورة إلى الفرار فذهب إلى الهند فأقبل عليه ملوكها وحسن حاله بها وأثرى وكثر ماله فلم تطل أيامه حتى مات. ومن شعره: السريع لاما عذاريك هما أوقعا قلب المحب الضب في الحين فجدله بالوصل واسمح به ففيك قد هام بلامين وله: البسيط قد عطس الصبح ياحبيبي فلا تشمته بالفراق وله: الرجز بدا وقد كان اختفى الرقيب من مراقبه فقلت: هذا قاتلي بعينه وحاجبه وله: الرمل قم بنا نركب طرف اللهو سبقًا للمدام واثن يا صاح عناني لكميت ولجام وتوفي الأمير سيف الدين أبو بكر حاجب حجاب طرابلس بها وكان يعرف بدوادار الأمير جكم نائب طرابلس. أظنه تركمانيًا فإني رأيت كلامه يشبه ذلك ولا عرفت أصله. وتوفي الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله الأمير آخور قتيلًا بقلعة المرقب في ذي الحجة. وكان أصله تركمانيًا مكاريًا لبغال الأمير طولو الظاهري نائب صفد ثم تنقل في الخدم حتى اتصل بالملك المؤيد شيخ أيام إمرته وترقى عنده ليقظة كانت فيه حتى صار أمير آخوره فلما تسلطن أمره وولاه حجوبية دمشق ثم نيابة صفد ثم جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية وأمير آخور كبيرًا بعد الأمير تنبك ميق لما نقل إلى نيابة دمشق بعد مسك آقباي. ولما ولي الأمير آخورية نالته السعادة وعظم في الدولة إلى أن عينه المؤيد للسفر صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشي إلى البلاد الشامية من جملة من عينه من الأمراء. ومات الملك المؤيد فوقع ما حكيناه من اضطراب المملكة الشامية وعصيان جقمق فانضم طوغان هذا مع جقمق ولا زال من حزبه إلى أن انكسر وتوجه معه إلى قلعة صرخد. ولما قبض على جقمق قبض على طوغان هذا معه ونفي إلى القدس. ثم أمسك ثم أطلق ورسم له أن يكون بطالًا بطرابلس فدام بها مدة فبلغ السلطان عنه ما أوجب القبض عليه وحبسه بالمرقب ثم قتله في التاريخ المقدم ذكره وكان لا فارس الخيل ولا وجه العرب. وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر التنوخي الحموي الشهير بابن العطار في ثالث عشر شوال بالخليل عليه السلام وهو متول نظره. ومولده في سنة أربع وسبعين وسبعمائة بحماه وبها نشأ وتولى حجوبيتها ثم نقل إلى دمشق وولي دوادارية الأمير قاني باي نائب الشام بأمره إلى أن نوه القاضي ناصر الدين ابن البارزي بذكره واستقدمه إلى القاهرة لمصاهرة كانت بينهما فولاه الملك المؤيد نيابة الإسكندرية إلى أن عزله الأمير ططر في الدوله المظفرية وتعطل في داره سنين حتى ولاه الملك الأشرف نظر القدس والخليل فدام به إلى أن مات. وكان فاضلًا عاقلًا سيوحًا وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد البيري الشافعي شيخ خانقاه سعيد السعداء في يوم الجمعة رابع عشرين ذي الحجة على نحو الثمانين سنة. وهو أخو جمال الدين يوسف البيري الأستادار المقدم ذكره في الدولة الناصرية فرج. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وعشرة أصابع. مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا سواء. السنة الخامسة من سلطنة الأشرف برسباي وهي سنة تسمع وعشرين وثمانمائة سنة. فيها كان فتح قبرس وأخذ ملكها أسيرًا حسبما تقدم ذكره في أصل ترجمة الأشرف هذا مفصلًا. وفيها توفي شيخ الإسلام وأحد الأئمة الأعلام سراج الدين عمر بن علي بن فارس شيخ شيوخ خانقاه شيخون المعروف بقارىء الهداية في شهر ربيع الآخر بعد أن انتهت إليه رئاسة مذهب أبي حنيفة في زمانه هذا مع من كان في دوره من العلماء. كان بارعًا مفننًا في الفقه وأصوله وفروعه إمامًا في العربية والنحو وله مشاركة كبيرة في فنون كثيرة وهو أول من أقرأني القرآن بعد موت الوالد. ومات وقد صار المعول على فتواه بالديار المصرية بعد أن تصدى للإفتاء والإقراء عدة سنين وانتفع به غالب الطلبة. وكان مقتصرًا في ملبسه ومركبه يتعاطى حوائجه من الأسواق بنفسه مع جميل السيرة وعظم المهابة في النفوس يهابه حتى السلطان مع عدم التفاته لأهل الدولة بالكلية حتى لعلي لم أنظره دخل لأحد منهم في عمره وهو مع ذلك لا يزداد إلا عظمة ومهابة. ولما ولاه الملك الأشرف مشيخة الشيخونية مسؤولًا في ذلك أراد الشيخ سراج الدين المذكور أن يحضر إلى الخانقاه المذكور ماشيًا وكان مسكنه بالمدرسة الظاهرية ببين القصرين وامتنع من ركوب الخيل فأرسل إليه الملك الأشرف فرسًا وألزمه بركوبها فلما ركبها أخذ بيده عصاة يسوقها بها حتى وصل إلى الخانقاه المذكورة فنزل عنها كما ينزل عن الحمار برجليه من ناحية واحدة هذا كله وعليه من الوقار والأبهة ما لم تنلها أصحاب الشكائم ولا كبار العمائم وهو أحد من أدركنا من الأفراد الذين مشوا على طريق فقهاء السلف رحمه الله تعالى. ونزل بعده في مشيخة الشيخونية قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي بعد عزله عن القضاء بقاضي القضاة بدر الدين محمود العيني. وتوفي الشيخ المعتقد خليفة المغربي نزيل جامع الأزهر في حادي عشرين المحرم فجاءة في الحمام بعدما كان انقطع بالجامع المذكور مكبًا على العبادة نيفا وأربعين سنة. وكان للناس فيه اعتقاد كبير ويقصد للزيارة والتبرك به. ولما مات خلف مالًا له صورة وكانت جنازته مشهورة. وتوفي الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله النوروزي أمير سلاح في أول شهر ربيع الآخر بالقاهرة وأصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي ودواداره ثم ولي بعده نيابة غزة ثم حماه ثم طرابلس إلى أن نقله الملك الأشرف إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وخلع عليه باستقراره أمير مجلس ثم أمير سلاح فاستمر على ذلك إلى إن مات وفي نفسه أمور فأخذه الله قبل ذلك. وكان متجملًا في ملبسه ومماليكه ومركبه وسماطه إلى الغاية وفيه مكارم وحب للعظمة مع ظلم وخلق سيىء وقلة دين وبطش بحواشيه ومماليكه وغلمانه وإظهار جبروت. وهو صهري زوج أختي خوند فاطمة ومات عنها ولكن الحق يقال على أي وجه كان وفرح الناس بموته كثيرًا وأولهم السلطان الملك الأشرف برسباي. وتوفي السيد الشريف حسن بن عجلان بن رميثة واسم رميثة منجد ابن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن أبي غرير قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى بن أبي محمد الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم الخميس سادس عشر جمادى الآخرة بالقاهرة ودفن بالصحراء بحوش الملك الأشرف برسباي وقد أناف على الستين سنة. ومولده بمكة وولي إمارتها في دولة الملك الظاهر برقوق في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ثم ولي سلطنة الحجاز كله: مكة والمدينة والينبع من قبل الملك الناصر فرج في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثمانمائة واستناب عنه بالمدينة الشريفة وخطب له على منبرها. وطالت أيامه في السعادة على أنه وقع له أمور وحوادث ومحن وحمله ذلك على فعل أشياء ليست بمشكورة من مصادرة التجار وأخذ الأموال وقد ذكرنا أمر خروجه من مكة وقدومه مع الأمير تغري بردي المحمودي إلى القاهرة في أصل هذه الترجمة واستقراره في إمرة مكة على عادته إلى أن مات بها قبل أن يتوجه إلى مكة. واستقر بعده في إمرة مكة ابنه الشريف بركات الآتي ذكره في محله. وتوفي العلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عطاء الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن فضل الله بن محمد الرازي الهروي الشافعي بالقدس في ثامن عشر ذي الحجة. ومولده بهراة سنة سبع وستين وسبعمائة. وكان إمامًا بارعًا في فنون من العلوم وكان يقرىء على مذهب أبي حنيفة ومذهب الشافعي والعربية وعلمي المعاني والبيان ويذاكر بالأدب والتاريخ ويستحضر كثيرًا من الأحاديث حفظًا. وصحب تيمورلنك مدة طويلة ثم قدم القاهرة وصحب الوالد وولي قضاء الشافعية بالديار المصرية مرتين فلم ينتج أمره فيهما لبغض أولاد العرب له كما هي عادة المباينة بين أولاد العرب والأعاجم وتعصبوا عليه وأبادوه وجحدوا علومه. وولي كتابة السر أيضًا بالديار المصرية أشهرًا ثم عزل ونكب ووقع له أمور في ولايته للقضاء في المرة الثانية إلى أن تولى نظر القدس والخليل إلى أن مات هناك. وكان شيخًا ضخمًا طوالًا أبيض اللحية مليح الشكل غير أنه كان في لسانه مسكة تمنعه عن الطلاقة وله مصنفات تدل على غزير علمه واتساع نظره وتبحره في العلوم. وتوفي قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن علي الطائي البساطي المالكي وهو غير قاض في يوم الاثنين العشرين من جمادى الآخرة عن ثمان وثمانين سنة وكان فقيهًا مشاركًا في فنون وعنده معرفة بالأحكام وسياسة ودربة بالأمور وقد تولى قضاء الديار المصرية سنين كثيرة وولي حسبة القاهرة شهرًا ثم صرف ولزم داره إلى أن مات. وتوفي الأمير الكبير سيف الدين قجق بن عبد الله العيساوي الظاهري أتابك العساكر بالديار المصرية في تاسع شهر رمضان وهو أحد المماليك الظاهرية وممن أنشأه الملك الناصر فرج وصار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية ثم ولي حجوبية الحجاب في الدولة المؤيدية شيخ ثم أمسك وحبس إلى أن أطلقه الأمير ططر وولاه أمير مجلس ثم صار أمير سلاح في أوائل دولة الملك الصالح ثم صار أتابك العساكر بالديار المصرية بعد مسك الأتابك بيبغا بن عبد الله المظفري إلى أن مات في التاريخ المذكور. وكان قجق أميرًا عاقلًا عارفًا بفنون الفروسية رأسًا في ركوب الخيل ولعب الكرة مع بخل وشح زائد وحسن شكالة وكان تركي الجنس رحمه الله تعالى. وتوفي تاج الدين محمد بن أحمد المعروف بابن المكللة وبابن جماعة في ثامن شهر ربيع الآخر وكان ولي حسبة القاهرة بالمال فلم تطل مدته وعزل عنها. وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن عبد الله أحد أعيان موقعي الدست بالديار المصرية المعروف بابن كاتب السمسرة وبابن العمري في يوم الأربعاء العشرين من شعبان. وكان له وجاهة في الدولة معدودًا من أعيان الديار المصرية رحمه الله تعالى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع. مبلغ الزيادة عشرون ذراعًا سواء كالسنة الخالية. وهي سنة ثلاثين وثمانمائة. فيها توفي الشيخ الإمام المعتقد زاهد وقته وفريد عصره أحمد بن إبراهيم بن محمد اليمني الأصل الرومي البرصاوي المولد والمنشأ المصري الدار والوفاة المعروف بابن عرب الحنفي في ليلة الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول بخلوته بخانقاه شيخون فغسل بها وحمل إلى مصلاة المؤمني على رؤوس الأصابع ونزل السلطان الملك الأشرف وحضر الصلاة عليه وأم بالناس قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي ثم حمل وأعيد إلى الشيخونية فدفن بها وكان له مشهد عظيم إلى الغاية وأبيع بعده ما كان عليه من الثياب بأثمان غالية للتبرك بها. قلت: وابن عرب هذا أعظم من أدركناه من العباد الزهاد في الدنيا وعدم الاجتماع بالملوك ومن دونهم والاقتصار في المأكل والملبس وكان أولًا ينسخ للناس بالأجرة وهو مكب على طلب العلم والعبادة سنين طويلة إلى أن استقر من جملة صوفية خانقاه شيخون بمبلغ ثلاثين درهمًا في الشهر فتعفف بذلك عن النسخ وانقطع عن مجالسة الناس وسكن بخلوة في الخانقاه المذكورة وأعرض عن كل أحد وأخذ في الاجتهاد في العبادة واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية وصار يقنع بيسير القوت ولا ينزل من خلوته إلا ليلًا لشراء قوته ثم يعود إلى منزله في كل ثلاثة أيام مرة واحدة بعد عشاء الآخرة. وكان من شأنه إذا حاباه أحد من السوقة فيما يشتريه من قوته تركه وما حاباه به. فلما عرف منه ذلك ترك الباعة محاباته ووقفوا عندما يشير إليهم به. وكان في كل شهر خادم الخانقاه يحمل إليه الثلاثين درهمًا فلا يأخذها إلا عدداص لأن المعاملة بالفلوس وزنًا حدثت بعد انقطاعه عن الناس وكان لا يعرف إلا المعاددة. وكان لا يقبل من أحد شيئًا البتة. وكان يغتسل بالماء البارد صيفًا وشتاءً في بكرة نهار الجمعة ويمضي إلى صلاة الجمعة من أول نهار الجمعة ويأخذ في الصلاة والقراءة. وكان يطيل قيامه في الصلاة بمقدار أن يقرأ في كل ركعة حزبين من غير أن يسمع له قراءة ولا تسبيح. وكان لا يرى نهارًا إلا عند ذهابه يوم الجمعة إلى الجامع. وكان يعجز السلطان ومن دونه في الاجتماع به. ويحكى عنه كرامات كثيرة ذكرنا بعضها في ترجمته في المنهل الصافي رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته. وتوفي الأمير سيف الدين قشتم بن عبد الله المؤيدي الدوادار الذي كان ولي نيابة الإسكندرية في دولة الملك المظفر أحمد ثم قبض عليه وأخرج بعد مدة إلى حلب على إمرة بها واستمر بحلب إلى أن خرج مع نائبها الأمير قصروه لقتال التركمان فقتل في المعركة في المحرم. وكان غير مشكور السيرة وهو أخو إينال المؤيدي المعروف بأخي قشتم وكلاهما ليس بشيء من المهملين. وتوفي الشيخ المحدث الفاضل شهاب الدين أحمد بن موسى بن نصير المتبولي المالكي في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة. وقد حدث عن عمر بن الحسن بن مزيد المعمر المسند الرحلة زين الدين أبي حفص المراغي الحلبي الشهير بابن أميلة وست العرب وجماعة وناب في الحكم سنين رحمه الله تعالى. وتوفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد بن الزعيفريني الدمشقي الشاعر في ربيع الأول. وكان ينظم الشعر ويكتب المنسوب ويتكلم في معرفة علم الحرف وبتكلم أيضًا في المغيبات ومال إليه بسبب ذلك جماعة من الأكابر وأثرى وامتحن في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وقطع الملك الناصر لسانه وعقدتين من أصابعه ورفق به المشاعلي عند قطع لسانه فلم يمنعه ذلك من الكلام. وكان سبب هذه المحنة أنه نظم لجمال الدين الأستادار ملحمة أوهمه أنها ملحمة قديمة وأنه يملك مصر وبلغ ذلك الملك الناصر فرج فأمر به ما ذكرناه. ولما قطعت أصابعه صار يكتب بعد موت الملك الناصر بشماله فكتب مرة إلى قاضي القضاة صدر الدين علي بن الآدمي الحنفي يقول: الطويل لقد عشت دهرًا في الكتابة مفردا أصور منها أحرفًا تشبه الدرا وقد عاد خطي اليوم أضعف ماترى وهذا الذي يسر الله لليسرى لئن فقدت يمناك حسن كتابة فلا تحتمل همًا ولا تعتقد عسرا وأبشر ببشر دائم ومسرة فقد يسر الله العظيم لك اليسرى وتوفي الأمير الطواشي الرومي شبل الدولة كافور الصرغتمشي زمام دار السلطان وقد قارب الثمانين سنة من العمر في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الآخر. وأصله من خدام الأمير صرغتمش الأشرفي ثم أخذه الأتابك منكلي بغا الشمسي وأعتقه. وترقى إلى أن ولاه الملك الناصر فرج زمام داره فدام على ذلك إلى أن عزل بعد موت الملك المؤيد بمرجان الخازندار الهندي ثم أعيد إليها بعد مدة. وهو الذي أنشأ التربة العظيمة بالصحراء وبها خطبة وعمائر هائلة وله مدرسة أخرى أنشأها بخط حارة الديلم من القاهرة. وتولى بعده الزمامية الأمير الطواشي خشقدم الظاهري الخازندار. وتوفي الشيخ الأديب البارع المفنن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد المعروف بالبشتكي الظاهري المذهب في يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الآخر فجاءة في حوض الحمام. وكان من تلامذة الشيخ جمال الدين بن نباتة في الأدب وكان أحد الأفراد في كثرة النسخ: كان ينسخ في اليوم خمس كراريس فإذا تعب اضطجع على جنبه وكتب كما يكتب وهو جالس فكتب ما لا يدخل تحت حصر. وكثيرًا ما يوجد ديوان شعر ابن نباتة بخطه. ومن شعره: الوافر لأغسل بالكؤوس الهم عني لأن الراح صابون الهموم وكان بينه وبين ابن خطيب داريا أهاجي ومكاتبات تم بينه وبين شرف الدين عيسى العالية المعروف بعويس وفيه يقول عويس المذكور: المتقارب أيامعشرالصحب مني اسمعوا مقالي وكس اخت من ينتكي ألا فالعنوا آكلين الحشيش وبولوا على شارب البشتكي قلت: والبشتكي ضرب من المسكرات مثل التمربغاوي والششش. وله أيضًا فيه صحبت جندي لوغيه في السكر وأنواع الشروب كيف ما أجي ألقاه سكران والبشتكي تحتو مكبوب وتوفي قاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد الحسبائي السعدي الدمشقي الشافعي قاضي قضاة دمشق وكاتب السر بالديار المصرية مذبوحًا على فراشه ببستانه بالنيرب خارج دمشق في ليلة الأحد مستهل ذي القعدة عن ثلاث وستين سنة ونسب قتلة للزيني عبد الباسط وللشريف شهاب الدين أحمد كاتب سر دمشق ثم مصر وكان القاضي نجم الدين فقيهًا بارعًا فاضلًا كريمًا حشمًا وقورًا له مكارم وأفضال وسؤدد وهو أحد أعيان أهل دمشق وفقهائهم رحمه الله تعالى. وقد تقدم ذكر محنته عندما ولي كتابة سر مصر في وتوفي الملك المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جمادى الأولى بها وأقيم بعده أخوه الملك الأشرف إسماعيل ثم خلع بعد مدة وأقيم بعده الملك الظاهر هزبر الدين يحيى ابن الملك الأشرف إسماعيل في ثالث شهر رجب وقد تقدم ذكر نسبه في ترجمة والده من هذا الكتاب في سنة سبع وعشرين وثمانمائة. وفي أيام هؤلاء الملوك تلاشى أمر اليمن وطمع فيها كل أحد.
|